ماهو التشقيق الهيدروليكي
أولا: لمحة عامة
اعتمـدت الخطـوات الاستكشـافية الأولـى للصـناعة البتروليـة علـى البـحـث عـن التسربات الطبيعيـة للـنفط والغـاز نحـو السـطح ، وركـزت عمليـات التنقيـب اللاحقـة علـى البـحـث عـن مـكـامن يسـهـل إنـتـاج الـنفط والغـاز منهـا ، أي تلـك المكـامن الضحلة ذات النفاذيـة العاليـة . وخـلال عقـود طويلـة مـن عمـر الصـناعة البتروليـة ، تـم اكتشـاف عشرات الآلاف مـن هـذا النـوع مـن المكـامن التقليديـة فـي مختلـف أنحـاء العـالم . لكـن عـدداً لـيـس بـالهين مـن هـذه المكـامـن بـات فـي طـور النضـوج ومنهـا مـا تـم استنضـابه (Depleted) ، وهـذا مـا دفـع بالصناعة البتروليـة إلـى البـحـث عـن تقنيـات تسـاهـم فـي إنتـاج الـنفط والغـاز مـن مـكـامـن غيـر تقليديـة تتطلب تقنيات خاصة لاستغلال مصادرها . ومـع توجـه عـدد كبيـر مـن الشـركات نحـو هـذا النـوع مـن المصـادر ، كـان لابـد للتقنيـات المستخدمة فـي الإنتـاج مـن أن تواكـب هـذا التحـرك ، وربمـا كـانـت تقنيـة التشـقيق الهيـدروليكي أحـد أبـرز هـذه التقنيـات التـي حـظـيـت بنصـيب وافـر من الاهتمام . التشـقيق الهيـدروليكي عمليـا لـيـس بـالأمر الجديـد فـي الصـناعة البتروليـة ، فقـد اسـتخدم منـذ أربعينـات القـرن الماضـي لرفـع مـعـدل الإنتـاج مـن الآبـار البتروليـة ، ومـع التطـورات المتتابعـة ، بـات التشـقيق الهيـدروليكي مـن التقنيات الأساسية المستخدمة في إنتاج النفط والغاز .
وتشير الجمعيـة الكنديـة للمصـادر غيـر التقليديـة CSUR إلـى أن أكثـر مـن مليـون بنـر قـد تـم تحفيزهـا بالتشـقيق الهيـدروليكي منـذ أربعينـات القـرن الماضي . لعبت التطورات التقنية في مجالات مختلفة كالحفر الأفقي والحفر الموجه دوراً بارزاً في العمليات الهندسية تحت السطحية ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن البحث عن سبيل لتوفير الطاقات المتجددة كان له شيء من الفضل في تطوير وتفهم آلية التشقيق الهيدروليكي ، فقد شـهـدت سـبعينات القرن المنصـرم عدة تجارب قام بها علماء من مختبر Los Alamos National في الولايات المتحدة الأمريكية لاسـتخلاص طاقة الحرارة الجوفية من باطن الأرض ، حيث حفر بئران وصولاً إلى صخور الركيزة في منطقة Fenton Hill في ولاية New Mexico ، بلغ عمق الأول 2800 م ، وبلغت درجة حرارة الصـخور عند ذلك العمق 195 ° منوية ، بينما حفر الثاني إلى 3500 م ، وصولاً إلى صخور درجة حرارتها 235 ° مئوية . وتم استخدام التشقيق الهيدروليكي للحصـول على نطـاق متشـقق يمكن من خلاله تدوير المياه لاسـتخلاص حرارة الصخور 25 ، واستمرت التجربة حتى عام 1992 .
ساهمت تلك التجربة ومثيلاتها في توسيع آفاق المعرفة حول منظومة الشقوق وآلية التشقيق الهيدروليكي ، إذ أن المفهوم السائد عن خلق شقوق جديدة في الصخر ، تم استبداله بمفهوم تحفيز الشقوق الموجودة أسـاسـاً ضـمن بنية الصخر ، ويمكن اعتبار التشقيق الهيدروليكي تقنية تتغلب على قوة الكتلة الصخرية ، فتنقي الشقوق والصدوع الموجودة أسـاسـاً في الصخر أو قد تخلق شقوقاً جديدة في بعض الحالات، لكن عدة أبحاث في مطلع ثمانينات القرن الماضـي توصلت إلى أن إيجاد أو خلق شقوق جديدة ليس بالأمر السائد كنتيجة لعمليات التشقيق الهيدروليكي.
ثانيا: تعريف التشقيق الهيدروليكي
التشـقيق الهيـدروليكي ضـمن مفهـوم الصـناعة البتروليـة هـو : عمليـة نقـل للطاقـة إلـى الصـخور باستخدام سـوائل مختلفـة لـخـلـق شـقوق جديـدة أو توسـيع شقوق موجودة أساساً في صخور خازنة للهيدروكربونات .
يهـدف التشـقيق الهيـدروليكي كمـا يشـير التعريـف إلـى السـمـاح لـنفط أو الغـاز بـالتحرك بحريـة وسـهولة مـن التشكيلة أو الطبقة الخازنـة باتجـاه البنـر ، وهذا ما يشار له غالباً باسم عملية التحفيز (Stimulation) . تعمل الصناعة البترولية منذ بضعة عقود خلت وحتى اليوم على محاولة تطوير تقنيات وطرق فعالة وزهيدة التكلفة لعمليات التحفيز ، وقد شـملت عمليات التطوير عدة مناح منها سـوائل التشقيق ، والمعدات السطحية والمعدات الجوفية وبرامج الكومبيوتر التي تعنى بمحاكاة عمليات التشـقيق ، وغير ها . لكن الصـورة العامة لعملية التشـقيق الهيدروليكي لم تتغير فعلياً عما كانت عليه قبل عشرات السنين.
ثالثا: عملية التشقيق
بعـد حـفـر البـر وإكمالـه وتحديد النطاقات المنتجـة ضـمن البنـر ، يـتـم تثقيـب مواسير التغليـف مقابـل هـذه النطـاقـات ( فـي حـالـة البنـر المغلف ) ، ثـم يجـري عـزل النطـاق المثقـب عـن بـاقي البنـر بـاسـتخدام بـاكر (Packer) ، ويـتم ضـخ سـائل بضغط مرتفـع يكـفـي لتشـقيق الصـخر . وبطبيعـة الحـال فـإن مقـدار الضـغـط الـلازم يختلـف حـسـب نـوع الصـخور وعمقهـا وخواصـها الميكانيكيـة ، ممـا يسـتوجب إجـراء عمليـات محاكـاة تسـتخدم فيهـا كـل البيانـات المتاحـة فـي سـبـيـل تقـدير الضـغـط الـلازم للعمليـة ، وهـو مـعيـار مـن المـهـم تحـديـده بمنتهـى الدقـة ، إذ أن اسـتخدام ضـغط أقـل مـن الـلازم يعنـي أن عمليـة التشـقيق لـن تـحـدث ، كمـا أن استخدام ضـغط أعلـى مـن الـلازم قـد يـؤثر علـى المكمـن كـكـل ويتسـبب فـي تـهشـم صخوره وقد تكون له نتائج كارثية تصل إلى حد تداعي البئر وفقدانه . عمومـا ، تـذكـر شـركة Halliburton الرائـدة فـي عمليـات التشـقيق الهيـدروليكي أن الضـغـط الـلازم لتشـقيق الصـخـر يـتـراوح بــين 0.5- 1 رطل / البوصـة المربعـة لكـل 1 قـدم مـن عمـق البئـر 28 ، وبتحويـل هـذه البيانات إلى الجملـة المتريـة ( الجـدول 3 ) يلاحـظ أن بئـراً بعمـق 5000 متـر ، سـيحتاج إلـى ضـغط يتـراوح بـين 566- 1131 بـار ، وبالطبع تستلزم هـذه الضغوط المرتفعـة استخدام معدات قوية جداً وذات موثوقية عالية . الشكل التالي يبين قيم الظغط اللازمة لعملية التشقيق الهيدروليكي ماخوذة من ((أوابك)).
يبـين الشـكل التالي مخططـاً عـامـاً لتـدرج الضـغـط الـلازم لعمليـة التشـقيق فـي آبـار سـجيل مختلفـة الأعمـاق حسـب بيـانـات Halliburton ، لكـن هـذه الضـغوط تختلـف مـن حقـل لآخـر ومـن مـكمـن لآخـر ، ومـن الطبيعـي أن تختلـف مـن بـنـر لآخـر . وتـذكر دراسـة لشـركة أرامكـو السـعودية 29 أن ضـغط تشـقيق المرحلـة الأولى لأحـد آبارهـا الغازيـة المنتجـة مـن الصـخور الكربوناتيـة منخفضـة النفاذيـة بلغ نحو 545 بار ، لتشكيلة على عمق يقارب 670 متر . .خوذة من ((أوابك)).
بعـد توقـف عمليـة ضـخ السـائل وتشـكل الشـقوق المطلوبـة أو توسـع الشقوق الموجـودة ، يـتـم حقـن مـواد تمنـع إغـلاق الشـقوق المتشـكلة ، وغالبـاً مـا يستخدم الرمـل لـهـذه الغايـة ، كمـا أن الأعـم أن يكـون الرمـل جـزءاً مـن سـائل التشـقيق نفسـه أي أنـه يـمـزج مـع المـاء ويحقـن مـعـه خـلال عمليـة التشـقيق بعـد إجـراء تجربـة تقبـل (Injectability) علـى البئـر . عنـد بـدء عمليـة الإنتـاج يسترجع جـزء مـن السـوائل التـي اسـتخدمت لعمليـة التشـقيق ، حيـث يـتم تجميعهـا للـتخلص منها أو قد تستخدم في عمليات تشقيق أخرى .